تحيّة من أدونيس إلى زياد الرحباني.
مَوْتى يلتهمون الأحياء
-1-
ما أعظمَ صَبْرَ الأرض التي يحكمها المُسلم العَربيّ:
وُلِدَ حُرًّا بين أحضانِها،
غير أنّه يخنقها يوميًّا،
لا يترك فيها أثرًا تاريخيًّا فريدًا: يُحطِّمهُ أو “يَسْبيهِ”،
ويَبيعُهُ في سوق النِّخاسة الكونيّة.
ثم يخضع لمن يأمرهُ:
عيشٌ كَمِثل إبْرةٍ تَمْضي وقتها في خِياطَةِ الغَيْم!
-2-
العصر العَربيّ الإسلاميّ الرّاهن؟
مَوْتى يلتهمون الأحياء.
-3-
عاشَ، فاتحًا ذراعيه، صارخًا: السّماء، السّماء!
لكنّه لم يَسْمع إلّا صَوْتَ أمّهِ الأرض.
-4-
فتَحتْ الفراشة صَدْرها لكي تحتضن الضّوءَ،
لكنّ جَسدها فرَّ مِنْها، وأخذَ يَشْتعِل.
-5-
أنتَ “المُؤْمِنُ”، تَسمح لنفسكَ أن ترى السَّماءَ بيتًا لكَ،
تقيم فيه عزيزًا، هانئًا، بعد الموت.
لِماذا لا تسمحُ لي، أنا “الكافر”
أن أقول “الأرضُ بيتيَ وهي مُلك للبَشرِ جميعًا”؟
-6-
مِن أينَ لكَ الجُرأة على الاعتقاد بأنّ الأبَديّةَ دارٌ آمِنةٌ لِقادةِ السَّبْيِ، والذَّبْحِ، والقَتْل؟
-7-
كلّا لا تُقْرَأُ الأرض العربيّة المُسلمة إلّا تراجيديًّا.
رُبّما لهذا اخْتُصَّتِ السَّمَاءُ بفنِّ القَتْل.
-8-
قمرٌ مُقْعَدٌ، شمسٌ حَدْباء، فضاءٌ مُتَرَهِّل.
-9-
ثلجٌ أسودُ يتساقطُ مِن غيومٍ إلكترونيّة:
تلك هي الحَياة، تلك هي الثَّقَافَة عند المُسلمين العرب، اليوم.
-10-
الكواكبُ نفسُها تُشْوَى على حَطَبِ الفُقَهاء.
-11-
الهويّةُ هاوِية.
-12-
ما أعجبَ هَيّ بنْ بَيّ:
يُشاركُ في امتلاكِ العالم
وليس في بيته المُظلم شمعةٌ مُضيئةٌ واحدة.
-13-
الأَمْكِنَةُ مَقابِرُ عديدة، والزّمَنُ قُدّاسٌ واحِد.
-14-
مِغْرَفَةٌ ضخمةٌ بحجمِ الفضاءِ الأمريكيّ، تُحرِّك مِرْجَلَ التّاريخ الإسلاميّ العربيّ.
-15-
إنّها الإبَرُ المُلقَّحةُ بالسُّموم مِن كلّ نوعٍ هي التي تَخيطُ جسم الفضاء العربيّ.
والويل الويل من دواءٍ هو نفسه الدّاء.
-16-
عالمٌ يبدو فيه القَتْلُ كمثل إِسْطَبْلٍ لا تنتهي السَّماءُ مِن تَدْشينه.
-17-
هل المستقبل العربيّ نائِمٌ في فُقاعَةٍ لُغوِيّة؟
يسألُني مُعْجَمٌ خاصٌّ يُكْتَبُ اليوم.
-18-
بَشَرٌ يعيشون كمثل الُّلهاثِ في حنجرة التّاريخ.
-19-
يكفي أيّتها “الرّوح”!
ألن تسألي نفسكِ: مَن أنتِ؟
-20-
وأنتَ يا هيّ بنْ بيّ:
ألم تعرف بعد أنّ البيت الذي تسكن فيهِ،
هو نفسه الذي يَنْفيك؟
-21-
أَصْغُوا إلى أراغِنِ الفضاء العربيّ:
إلى زفير الزّيتون والأَرْز،
شهيقِ العِنبِ والكَرَزِ،
نحيبِ الغاباتِ والجِبال،
فيما تقرأونَ ملحمةَ غزّة.
-22-
لكن، لكن…
لن يرتوي فَمُ الرَّملِ مَهْما قَبَّلَهُ الماء.