العدد الثالث عشر

تحيّة من أدونيس إلى زياد الرحباني.

مَوْتى يلتهمون الأحياء

-1-

ما أعظمَ صَبْرَ الأرض التي يحكمها المُسلم العَربيّ:

وُلِدَ حُرًّا بين أحضانِها،

غير أنّه يخنقها يوميًّا،

لا يترك فيها أثرًا تاريخيًّا فريدًا: يُحطِّمهُ أو “يَسْبيهِ”،

ويَبيعُهُ في سوق النِّخاسة الكونيّة.

ثم يخضع لمن يأمرهُ:

عيشٌ كَمِثل إبْرةٍ تَمْضي وقتها في خِياطَةِ الغَيْم!

-2-

العصر العَربيّ الإسلاميّ الرّاهن؟

مَوْتى يلتهمون الأحياء.

-3-

عاشَ، فاتحًا ذراعيه، صارخًا: السّماء، السّماء!

لكنّه لم يَسْمع إلّا صَوْتَ أمّهِ الأرض.

-4-

فتَحتْ الفراشة صَدْرها لكي تحتضن الضّوءَ،

لكنّ جَسدها فرَّ مِنْها، وأخذَ يَشْتعِل.

-5-

أنتَ “المُؤْمِنُ”، تَسمح لنفسكَ أن ترى السَّماءَ بيتًا لكَ،

تقيم فيه عزيزًا، هانئًا، بعد الموت.

لِماذا لا تسمحُ لي، أنا “الكافر”

أن أقول “الأرضُ بيتيَ وهي مُلك للبَشرِ جميعًا”؟

-6-

مِن أينَ لكَ الجُرأة على الاعتقاد بأنّ الأبَديّةَ دارٌ آمِنةٌ لِقادةِ السَّبْيِ، والذَّبْحِ، والقَتْل؟

-7-

كلّا لا تُقْرَأُ الأرض العربيّة المُسلمة إلّا تراجيديًّا.

رُبّما لهذا اخْتُصَّتِ السَّمَاءُ بفنِّ القَتْل.

-8-

قمرٌ مُقْعَدٌ، شمسٌ حَدْباء، فضاءٌ مُتَرَهِّل.

-9-

ثلجٌ أسودُ يتساقطُ مِن غيومٍ إلكترونيّة:

تلك هي الحَياة، تلك هي الثَّقَافَة عند المُسلمين العرب، اليوم.

-10-

الكواكبُ نفسُها تُشْوَى على حَطَبِ الفُقَهاء.

-11-

الهويّةُ هاوِية.

-12-

ما أعجبَ هَيّ بنْ بَيّ:

يُشاركُ في امتلاكِ العالم

وليس في بيته المُظلم شمعةٌ مُضيئةٌ واحدة.

-13-

الأَمْكِنَةُ مَقابِرُ عديدة، والزّمَنُ قُدّاسٌ واحِد.

-14-

مِغْرَفَةٌ ضخمةٌ بحجمِ الفضاءِ الأمريكيّ، تُحرِّك مِرْجَلَ التّاريخ الإسلاميّ العربيّ.

-15-

إنّها الإبَرُ المُلقَّحةُ بالسُّموم مِن كلّ نوعٍ هي التي تَخيطُ جسم الفضاء العربيّ.

والويل الويل من دواءٍ هو نفسه الدّاء.

-16-

عالمٌ يبدو فيه القَتْلُ كمثل إِسْطَبْلٍ لا تنتهي السَّماءُ مِن تَدْشينه.

-17-

هل المستقبل العربيّ نائِمٌ في فُقاعَةٍ لُغوِيّة؟

 يسألُني مُعْجَمٌ خاصٌّ يُكْتَبُ اليوم.

-18-

بَشَرٌ يعيشون كمثل الُّلهاثِ في حنجرة التّاريخ.

-19-

يكفي أيّتها “الرّوح”!

ألن تسألي نفسكِ: مَن أنتِ؟

-20-

وأنتَ يا هيّ بنْ بيّ:

ألم تعرف بعد أنّ البيت الذي تسكن فيهِ،

هو نفسه الذي يَنْفيك؟

-21-

أَصْغُوا إلى أراغِنِ الفضاء العربيّ:

إلى زفير الزّيتون والأَرْز،

شهيقِ العِنبِ والكَرَزِ،

نحيبِ الغاباتِ والجِبال،

فيما تقرأونَ ملحمةَ غزّة.

-22-

لكن، لكن…

لن يرتوي فَمُ الرَّملِ مَهْما قَبَّلَهُ الماء.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى