تحقيق عن قرب: الأميش طائفة خارج الزمن
غالبًا ما يفاجأ القادمون الجدد إلى مدينة (Sarasota) سارا سوتا في ولاية فلوريدا بوجود مجتمعات كبيرة من الآميش والمينونايت.
عندما وصلتُ إلى المدينة في العام 2004، لفتت انتباهي مجموعات من الأشخاص يتنقلون على دراجات هوائية بثلاث عجلات، تحمل في مؤخرتها سلة كبيرة، ويرتدون ملابس مميزة تختلف تمامًا عن باقي سكان المدينة، مما أثار فضولي حول نمط حياتهم الفريد.
يقع حي باينكرافت بين شارعي باهيا فيستا وبينيفا رود، على بُعد ميل ونصف من منزلي. أمرّ عبر هذين الشارعين يوميًا حين أقل أبنائي من مدرستهم الثانوية، لذا أصبحت أحفظ عن ظهر قلب كل تفصيل على جانبي هذه الطريق، من أسماء الأحياء إلى المتاجر والمحال.
تعكس المنازل الصغيرة المرتبة بعناية طبيعة سكان الحي المتواضعين والهادئين. يتنقل الجيران إلى العمل والتسوق في المناطق القريبة باستخدام الدراجات الهوائية أو عربات الغولف، من دون الاعتماد على السيارات أو ارتداء الملابس العصرية. كما أنهم لا يكترثون بما يفعله الزوار خلال وجودهم في سارا سوتا. زيارة هذا الحي تمنحك تجربة فريدة، حيث يمكنك تعلم فن الاستمتاع بالأيام المشمسة برفقة الأصدقاء، ولعب “الشافلبورد”، والانخراط في أحاديث المجتمع. حينها، لفتتني هذه الظاهرة، لكنني لم أتعّمق في معرفتها، ولم يدفعني الفضول لاستكشافها أكثر.
مؤخرًا، نشأت لديّ بعض الصداقات السطحية مع أفراد من طائفة الآميش بحكم عملي، ومن بينهم رجل سبعيني يُدعى “جون يودر”، يتميّز بلطفه الملحوظ معي، عندما يزور مكان عملي أراه يبتسم من بعيد قبل أن يحييني بودّ قائلًا:
“Hello My Friend” أو
“Good Morning Young Lady” أو
“Hello My Muslim Friend”
حتى إنه سألني ذات يوم عمّا إذا كنت من الشيعة أم السنة!
مثل باقي أفراد طائفته، السيّد “يودر” متزوج ولديه سبعة أبناء؛ ثلاث إناث وأربعة ذكور، بالإضافة إلى تسعة وثلاثين حفيدًا وحفيدة.
منحتني هذه الصداقة الجرأة لأبحث عن إجابات لكل التساؤلات التي راودتني لسنوات حول هذه المجموعات الفريدة. وحين فاتحت صديقي العجوز برغبتي في معرفة المزيد، رحّب بذلك، واتفقنا على اللقاء في مطعمهم “يودر” بعد انتهاء عملي.
التقينا في الموعد المحدد، وبدأنا جلستنا باحتساء الشاي بالأعشاب المميز من صنعهم، ترافقه شريحة من فطيرتهم الشهيرة “Peanut Butter Pie”، المحشوة بزبدة الفستق السوداني والشوكولا، والمغطاة بطبقة سخية من الكريمة المخفوقة والمشهورة في هذا المطعم الذي يُعدّ يوميًا أكثر من مئة فطيرة طازجة، تتنوع بين خمس وعشرين نكهة مختلفة، ما يجعله وجهة مميزة لعشاق الحلويات.
“حسنًا، لنبدأ العمل؟” قلتُ له بشغف، فردّ بابتسامة متحمسة: “لنبدأ، أيتها السيدة الصغيرة!”
●مستر يودر، هل يمكنك أن تشرح لي كيف نشأت طائفة الآميش؟
أجابني قائلًا:
ظهرت الحركة الدينية والثقافة الآميشية حوالي عام 1525 في أوروبا، خلال فترة الإصلاح البروتستانتي. وتشترك في جذورها مع طائفة المينونايت، أو ما يُعرف بالمعمدانيين. أما أصول أسلافهم، فترجع إلى مدينة زيورخ في سويسرا.
● متى بدأت هجرة الآميش إلى الولايات المتحدة؟
بدأت هجرة مجموعات الآميش إلى أمريكا الشمالية بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، حيث استقروا في ولاية بنسلفانيا مطلع القرن، بحثًا عن الحرية الدينية، تمامًا كما فعل العديد من المهاجرين الآخرين. حين أسس “ويليام بن” المستعمرة، تعهّد بضمان التسامح الديني، مما جعلها وجهة مثالية لهم.
وفي عام 1693، انفصلت مجموعة من المينونايت السويسريين تحت قيادة “جاكوب أمان”، لتشكيل طائفة خاصة بهم. كان الخلاف الأساسي وراء هذا الانقسام يتمحور حول مدى صرامة تطبيق عقوبة نبذ أو طرد أعضاء الكنيسة، حيث كان الآميش يؤمنون بتطبيق أقوى لهذه القواعد، إلى جانب فرض لوائح أكثر صرامة على الملابس المسموح بها.
اليوم، تعد مقاطعة لانكستر في ولاية بنسلفانيا الموطن الأكبر للسكان الآميشيين في الولايات المتحدة، حيث يعيش هناك العدد الأكبر منهم. بالإضافة إلى ذلك، يُوجد العديد منهم في ولايات أوهايو وإنديانا. ومع ذلك، يمكن العثور على مستوطنات للأميش في ثلاثين ولاية أمريكية ومقاطعة كندية واحدة. ويقدر عدد الآميش اليوم بحوالي 249,000 شخص.
● كيف وصلتم إلى مدينة سارا سوتا؟
في عشرينيات القرن العشرين، تم إقناع المزارعين الآميشيين والمعمدانيين بالانتقال إلى سارا سوتا لاستخدام الأرض لأغراض زراعية، حيث كان هدفهم الرئيسي زراعة الكرفس، وهو محصول شائع لدى الآميش. ولكن، عند وصولهم، اكتشفوا أن التربة غير مناسبة لزراعة الكرفس على نطاق واسع. وعلى الرغم من ذلك، أغراهم الطقس بالاستقرار في المنطقة.
لقد أسسوا مجتمع باينكرافت، وهي منطقة صغيرة جدًا تحتوي على حوالي خمسمائة منزل صغير. يعيش عدد قليل من أصحاب المنازل في المنطقة على مدار العام، بينما يتم تأجير العديد من المنازل للزوار الذين يتوافدون إلى هذه المنطقة كملاذ شتوي للهروب من الطقس القاسي في ولايات مثل إنديانا وأوهايو وبنسلفانيا.
●ما هي قواعد الملابس الآميشية وقائمة الممنوعات والمحرمات لديكم؟
من خلال ملابسهم، يعبر الآميش عن تواضعهم وتكافلهم، بالإضافة إلى المساواة المتبادلة بينهم. تمتد ملابس الشابات عادة تحت الركبتين، وتكون الفساتين أحادية اللون مثل الرمادي، الأزرق أو العنابي. كما ترتدي النساء المريلة وقبعة الكتف بدءًا من سن الثامنة. وفي حالات الحداد، يتم ارتداء الملابس السوداء.
غطاء الرأس جزء من زي النساء، ويعكس الخضوع لله وللرجل. عند بلوغ الفتيات سن الرابعة، يتم ربط شعرهن بالضفائر، بينما تقوم النساء البالغات بترتيب شعرهن بانقسام في المنتصف مع كعكة خلفية.
ويُعبر غطاء الرأس للنساء عن حالتهن الاجتماعية: اللون الأبيض إذا كن متزوجات، واللون الأسود إذا كانت المرأة غير متزوجة.
يرتدي الرجال دائمًا قبعة واسعة الحواف، يبدأ الأولاد في ارتدائها عندما يبلغون عامين. تستخدم قبعات القش في الصيف، والقبعات الصوفية السوداء في الشتاء. كما يتم ارتداء الحمالات مع البناطيل بدلًا من الأحزمة على الخصر. اللون الأساسي للملابس غالبًا أسود، ولكن القميص قد يكون بألوان أكثر تنوعًا.
قص الشعر للرجال يتم من شحمة الأذن، من دون وجود انقسام في الشعر، وتكون الخصلات ممتدة إلى منتصف الجبهة. يحلق الرجال غير المتزوجين شعرهم، لكن بعد الزواج أو عند بلوغ الأربعين، يبدؤون في إطلاق اللحى، حيث يربطونها بأشكال خاصة مستوحاة من الضباط الأوروبيين، بينما تتم حلاقة الشارب.
غالبًا ما تصنع الملابس في المنزل، ولكن يتم شراء الملابس الداخلية والسترات الرجالية.
تستند قواعد اللباس في طائفة الآميش إلى إشارات توراتية تتعلق بتجنب زينة الذات. يُفترض أن يظهر الآميش بشكل متجانس وبلا زينة، لأنهم يعتبرونها نوعًا من الغرور. بالمقابل، يُعتبر المينونايت أقل محافظة من الآميش، حيث يستخدمون التكنولوجيا أكثر من الآميش، ولديهم اتصالات أوسع مع العالم الخارجي.
تقليديًا، لا يسمح الآميش بالآلات الموسيقية لأنهم يعتقدون أنها قد تجعل الشخص فخورًا أو مغرورًا. بدلًا من ذلك، يميلون إلى الغناء بتناسق، ولكن من دون تناغم موسيقي، وذلك لتحقيق التوحيد والتوافق. بينما تسمح بعض مجموعات المعمدانيين والكثير من المجموعات المسيحية الأخرى بمزيد من التنوع في الموسيقى.
كل مرة تختار فيها ملابسك أو طريقة تصفيف شعرك، أو حتى نوع الموسيقى التي تستمع إليها، فإنك تعبر عن نفسك. ومع ذلك، يعتبر رفض التعبير عن الذات من أهم جوانب حياة الآميش. يرتدي الآميش ملابس بسيطة للغاية، من دون أي طبعات أو أنماط، كما أن الأزرار محظورة في بعض المجتمعات الآميشية.
لا تقص النساء شعرهن أبدًا، ولا يُسمح بالتقاط الصور، ولا يرتدي أحد المجوهرات، حتى خاتم الزواج ممنوع. يزرع معظم الرجال الأرض، بينما تكون النساء ربات بيوت. السبب في هذه القوانين هو أن الآميش يعتقدون أن إنكار الذات يساعدهم على أن يكونوا مسيحيين أفضل، كما أنهم لا يريدون أن تشتت أي رغبات أو احتياجات فردية تركيزهم عن خدمة مجتمعهم.
تشتهر مجتمعات الآميش برفضها للرفاهية والتقنيات الحديثة، مما يجعلها تُعتبر مثالًا للحياة البسيطة والمجتهدة. كما تعرف هذه المجتمعات بمحافظتها وتواضعها، بالإضافة إلى دمجها اليومي للدين في شؤون حياتها. يُمكن اعتبار الآميش مجموعة ثقافية فرعية داخل الولايات المتحدة، حيث يعيشون غالبًا منفصلين عن الثقافة الأمريكية السائدة.
طقوس الآميش تتميز بالتقاليد الصارمة التي لا تتغير، حيث يتبع الزفاف والتعميد والجنازات بروتوكولات صارمة ومعروفة. يحتفلون بأكثر الأعياد الأمريكية شهرة مثل عيد الفصح، وعيد الميلاد، وعيد الشكر، ورأس السنة، إضافة إلى بعض الأعياد السويسرية القديمة. يُمنع عليهم استخدام التقنيات الحديثة إلا إذا تمت الموافقة عليها في حالات خاصة، كما لا يُسمح لهم بالعيش خارج مجتمعهم أو ارتداء الزينة أو الملابس غير المحتشمة.
يتجنب الآميش استخدام الكهرباء إلى حد كبير، سعيًا للحفاظ على نمط حياة بسيط وتقليدي، مع السماح ببعض الاستثناءات عند الضرورة. أصدر مجلس الفتوى لديهم قرارًا يجيز لهم ركوب السيارات عند الحاجة، بشرط ألا يقوموا بقيادتها بأنفسهم. بدلًا من السيارات، يعتمد الآميش على الأحصنة والعربات التي تجرها، حيث تُعد جزءًا أساسيًا من هويتهم وثقافتهم. ومع ذلك، في مدينة سارا سوتا، يُحظر استخدام هذه العربات على الطرقات العامة، مما دفعهم إلى استخدام الدراجات ثلاثية العجلات كوسيلة بديلة للتنقل، بالإضافة إلى سيارات الغولف التي يستخدمها البعض داخل أحيائهم.
يعتمد الآميش على التكنولوجيا الحديثة بشكل انتقائي، فهم يرفضون تمامًا امتلاك أجهزة التلفزيون، بينما يسمحون باستخدام الكهرباء في بعض الحالات. يُسمح لهم باستخدام الهواتف، لكن من دون امتلاكها شخصيًا، كما أن منازلهم خالية من الأجهزة الكهربائية، حيث يعتمدون على الغاز للإضاءة والتدفئة. ومع ذلك، فإنهم يستخدمون الأسوار الكهربائية في المراعي، والأضواء الكهربائية على عربات الخيول، بالإضافة إلى المصابيح التي تعمل بالبطاريات للقراءة والمناشير الجنزيرية. كما تلجأ بعض العائلات إلى استئجار ثلاجات تُحفظ خارج منازلها.
يُسمح للأميش باستخدام السيارات ووسائل النقل العام والحافلات الكبيرة، لكنهم لا يسافرون بالطائرات، حيث يعتبرون ذلك غير ضروري ويتطلب منهم التواجد في مناطق حضرية كبيرة.
● ما هي المعتقدات التي يؤمن بها الآميش؟
يؤمن الآميش بحياة بسيطة تقوم على القيم والأدوار التقليدية، مع تفانٍ في خدمة الله. يلتزمون بتعاليم المسيح وكتابات العهد الجديد، ويسعون إلى العيش كما عاش أسلافهم في أوروبا خلال القرن السابع عشر.
لا تؤمن طائفة الآميش بالتغيير، بل يلتزمون بالعيش وفقًا لما جاء في الإنجيل الذي يسن أيديهم بحذافيره. لديهم مجلس فتوى يُسمى “أولد أوردر”، وهو يتكون من كبار السن المتدينين المعروفين بـ”المشايخ”، الذين يدرسون أي مستجدات ويصدرون فتاوى بناءً على ما يرونه مطابقًا لتعاليم الإنجيل وما يُعرف بينهم بـ”الأوردينان”.
لا يؤمن الآميش بتعليم أطفالهم في المدارس التقليدية، وفي عام 1972، تم إصدار قانون خاص يستثنيهم من التعليم الإلزامي. كما أنهم يعتبرون التعليم العالي غير ضروري، إذ يرون أنه قد يُبعد الأفراد عن العمل اليدوي، ولا يرغبون في تسهيل أعمالهم باستخدام الآلات من دون حاجة ملحّة.
تعتمد ثقافة الآميش وأسلوب حياتهم على بناء مجتمع مترابط ومتجانس. يلتحق أطفالهم بالمدارس الآميشية فقط حتى الصف الثامن، إذ يؤمنون بأن هذا المستوى من التعليم الرسمي هو كل ما يحتاجه الطفل. بعد ذلك، يبدأ شباب الآميش في تحمل مسؤوليات وأدوار أكثر نضجًا داخل المجتمع. كما يُسمح لهم خلال فترة تُعرف باسم “رومسبرينجا” بقضاء بعض الوقت خارج مجتمعهم، حيث يتم تخفيف القواعد المفروضة عليهم لمنحهم فرصة لاختبار الحياة خارج نطاق الآميش، مما يسمح لهم باتخاذ قرار واعٍ بشأن انضمامهم الكامل إلى الآميش كبالغين. فإذا اختاروا الانضمام، يتم تعميدهم عادةً بين سن 16 و25 عامًا، إذ يُعتقد أنهم في هذا العمر قادرون على اتخاذ قرار مستنير. بعد التعميد، يُسمح لهم بالزواج، حيث يُشجع المتزوجون بشدة على تكوين أسر كبيرة.
تمتلك مجتمعات الآميش مجموعة من القواعد غير المكتوبة تُعرف باسم “أوردنونج”، والتي يُتوقع من جميع الأعضاء الالتزام بها. تُعد “أوردنونج” بمثابة مدونة سلوك تحدد أسلوب الحياة في المجتمع، مع إمكانية اختلافها قليلًا من مجتمع إلى أخر. وتشمل هذه القواعد دمج الإيمان بالله في الحياة اليومية، بالإضافة إلى توجيهات تتعلق بقواعد الحياء، والتواضع، والملابس، والتكنولوجيا.
●كيف يتعامل الآميش مع الزواج والجنازات؟
تُقام حفلات الزفاف بعد موسم الحصاد، عادةً أيام الثلاثاء والخميس من شهر نوفمبر، حيث تُعقد المراسم المتواضعة في منزل العروس وتستمر لنحو ثلاث ساعات ونصف. بعد ليلة الزفاف، يعيش الزوجان بعيدًا من والديهما حتى حلول الربيع، حيث يبدآن ببناء منزلهما المشترك. لا يوجد شهر عسل في تقاليد الآميش، لكن الزوجين يقضيان عطلة نهاية الأسبوع مع عائلتيهما بالتناوب، ومع أقاربهما.
تختلف طقوس جنازة الآميش من منطقة إلى أخرى، لكن هناك تقاليد ثابتة يتبعها الجميع. يتولى أفراد العائلة غسل المتوفى قبل مراسم الجنازة، ويُلبس المتوفى ملابس بيضاء، وأحيانًا تُلبس النساء المتوفيات فساتين زفافهن. تُقام المراسم بأسلوب منظم ورسمي، وتتميز شواهد القبور بالبساطة الشديدة. كما أن الزواج من خارج المجتمع غير مسموح به.
يؤمن الآميش بضرورة الامتناع عن العلاقات الجنسية قبل الزواج. كما يتم تشجيع الأزواج على إنجاب عدد كبير من الأطفال، بحيث تضم العائلة الواحدة ما لا يقل عن ستة أو سبعة أبناء.
● ما الطقوس التي يتبعها الآميش في عباداتهم؟
تُقام خدمات العبادة صباح كل يوم أحد في منزل أحدهم، حيث يدخل الرجال والنساء من مداخل منفصلة ويجلسون على مقاعد منفصلة. لا تشارك النساء في الطقوس الدينية، لكنهن يتولين إعداد الوجبات. يتضمن الحفل غناءً جماعيًا وخطبتين، تستمر أطول خطبة منهما لمدة ساعة. لا مذابح لديهم أو زينة، فكل شيء متواضع وتقليدي قدر الإمكان، وتتولى العائلات استضافة الخدمات بالتناوب.
رجال الدين، الذين يقتصر اختيارهم على الذكور، غير مدربين أكاديميًا ويخدمون مدى الحياة بمجرد تعيينهم. الآميش طائفة مسيحية معمدانية، مما يعني أن التعميد يُمنح فقط للبالغين، وغالبًا ما يتم قبل عام من الزواج، حيث إن المعمودية تعني تبني قواعد المجتمع لمدى الحياة. أما الشباب الذين يرفضون التعميد، فينتهي بهم الأمر إلى مغادرة المجتمع.
بدءًا من سن السادسة عشرة وحتى المعمودية، يمر شباب الآميش بمرحلة تُعرف بالقفز في الفضاء، حيث يقضون عطلات نهاية الأسبوع مع أقرانهم.
● هل يحق لكم التصويت في الانتخابات الرئاسية؟
على الرغم من أن الآميش يملكون حق التصويت، إلا أنهم نادرًا ما يمارسونه، وعادةً ما يقتصر تصويتهم على القضايا المحلية فقط. كما أنهم غير مسموح لهم بالترشح للمناصب العامة أو توليها. وعلى الرغم من التزامهم بدفع الضرائب، بما في ذلك ضرائب المبيعات والممتلكات، إلا أنهم لا يقبلون إعانات حكومية، ولا يدفعون لنظام الضمان الاجتماعي، أو يقبلون منه.
يولي الآميش اهتمامًا كبيرًا برعاية كبار السن، ويتم تشجيعهم على توفير المال منذ سن مبكرة. في أوهايو، يتبرع معظمهم بأجر يوم واحد شهريًا، حيث يتم جمع هذه الأموال في صندوق عام لمساعدة أفراد المجتمع عند الحاجة، مثل فواتير المستشفى. يعتمد الآميش على أنفسهم في إدارة شؤونهم الخاصة، يتعاملون مع أمورهم بأنفسهم، ولا يلجؤون إلى الحكومة إلا عند الضرورة، وهم مستعدون بكل سرور للاستغناء عنها، وليس هذا الأمر تمردًا منهم.
معظم الآميش، إن لم يكن جميعهم، يدعمون ترامب سرًا، وهو أمر يثير الاهتمام نظرًا للتباين الواضح بين شخصيته الصاخبة، وبين السلوك المتواضع والمظهر البسيط للآميش.
● بم يشتهر مجتمع باينكرافت “Pinecraft“؟
تشتهر باينكرافت وسكانها بمأكولاتها اللذيذة، حيث تقدم مجموعة من المطاعم الآميشية وجبات منزلية شهية تُعرف باسم “الطعام المريح” طوال أيام الأسبوع من الاثنين إلى السبت. ربما يكون الأشهر من بينها هو قرية يودر الآميشية (Yoder Village)، والتي أصبحت تقليدًا في سارا سوتا منذ العام 1975، حيث تتباهى بطوابير طويلة من الزبائن خارج أبوابها. تشتهر هذه القرية بفطائرها الرائعة، ولا تزال تعتمد على الوصفات الأصلية للسيدة “يودر”. كما يُعد مطعم “Der Dutchman” من الأماكن المشهورة بوجباته المنزلية الشهية والمخبوزات الطازجة.
تشتهر باينكرافت بتنوع منتجاتها الزراعية، حيث تُباع الخضار الطازجة والفواكه بمختلف أنواعها، ومعظم زبائنها من غير الآميش. بالإضافة إلى ذلك، تضم المنطقة محال متخصصة في صناعة وتصليح الأحذية، إلى جانب الصناعة الخشبية كالأثاث على مختلف أنواعه، والأراجيح والكراسي الهزازة والألعاب. كما يُصنع محليًا الصابون والمربيات وغيرها من المنتجات اليدوية. ومن الجدير بالذكر أن الآميش لا يعملون يوم الأحد، لذا تكون جميع متاجرهم مغلقة في ذلك اليوم. أكثر أشكال الأعمال شيوعًا في الآميش هي المتاجر الصغيرة وورش التصنيع، ويُذكر أن باينكرافت تستقطب مئات السياح سنويًا من جميع الولايات.
● ما هي اللغة الأساسية التي تستخدمونها في مجتمعاتكم؟
يتحدث الآميش بلهجة تُعرف بالألمانية البنسلفانية، والتي تُستخدم بينهم كلغة يومية، كما هو الحال مع لغة الداتش. يتعلم الأطفال أيضًا اللغة الإنجليزية في المدارس إلى جانب الألمانية القديمة، بينما يجيد الكبار التحدث بالإنجليزية بطلاقة مع الغرباء.
● ما أبرز العائلات والألقاب المنتشرة في مجتمعات الآميش؟
معظم أسماء الآميش من أصل سويسري، تشمل الألقاب الأكثر شيوعًا: ميلر، ستولتزفوس، هيرشبيرجر، يودر، هوشستيتلر، ترويير، كينج، شوارتز وفيشر.
انتهى الحوار، بعد ساعة ونصف من الغوص في مكنونات هذه الطائفة التي يراها البعض غريبة، كما تنعتهم جماعات هذا العصر المشوه بالتطور والتكنولوجيا. ومع ذلك، فإنني أغبطهم، وأظن أن العديد مثلي يشعرون بذلك. فكل ما يملكونه هو حياة بسيطة، حياة تتكون من الكنيسة والعمل والأسرة، والدراجات واللعب بالكرة، وحبال الغسيل التي تتمايل في الرياح، والتربيتات القوية على الظهر، وانتظار وصول الحافلة مع أصدقائهم من الشمال.
يعيشون بعيدًا من منصات التواصل الاجتماعي بكل سلبياتها، ولا يشاهدون العاهات التي يقدمها “تيك توك”، ويتحسرون مثلنا على أيام مضت من الألفة والمحبة والبساطة. هم لا يكترثون بحروب الدول وصراعات شعوبها. كما أنهم يعيشون حياة خالية من السياسة، وفي هذه الأيام، لا يبدو الأمر سيئًا على الإطلاق.